كنت اليوم في رحلة مساء الى مدينة القدس العظيمة....لا أعلم لِمَ تركت ملل المكان الذي يحاصرني...وهربت الى مدينة تقترب كثيراً من بوابة السماء...ولكني كنت مصرّاً فهذه الاجواء الباردة صيفاً وهذا الليل الصامت ...وتلك الأشباح التي تسكنني أستطيع مقايضة أسيادها...وأذهب برحلة الى مدينة السماء...من قريتي التي أعرفها كثيراً ركبت سيارة الأجرة ...ك...انت السيارة ..مكتظة براكبين آخرين...جلست خلف سائق السيارة..وفتحت نافذة بمحاذاة رأسي...في مشاوير كهذه ..أكون اكثر حساسية لرائحة الوطن...الوطن يملك رائحة لا نستطيع اشتمامها الا إن تحركنا بسيارة اجرة وجلسنا بمحاذاة النافذة...هنا أنا كنت محظوظاً.....كل واحد من الراكبين يحمل صمته برحلته..والسيارة تمشي...يجلس بمحاذاة من الناحية الأخرى عجوز تفوح منه رائحة التبغ...يعكّر برائحة التبغ تلك...أجوائي الروحانية مع هواء الوطن...لكني ابتسمت له,,,فهو رائع بكوفيته وعقاله وملامحه الفلسطينية...كم احس بأن جدي الذي لم اره يشبه هذا الرجل ...لا أعلم من يجلس خلفي...ولكنهن نساء وبنات بصدفة أو بموعد أردن رؤية الخوف في ذكرى المدينة...وبجانب سائق السيارة كان هناك رجلاً كثير الكلام...ولم أفهم شيئاً مما كان يتحث به...سرق مني البصر سمعي...فكنت أنظر بصمت الى اتساع فضاء هذا الوطن...أهي السيارة من تمشي؟؟أم الأشجار تركض راجلة عكس اتجاه رحيلنا..كأن القدس تأتي الينا...اخيرا سكت ذاك الرجل البدين..واشتعل المذياع على أغاني تناسب رحلتنا..هي السيدة فيروز...ظننت بانها تغني لي...((يا عاقد الحاجبين على الجبين لجين ..إن كنت تقصد قتلي قتلتني مرتين,,,))وتمنيت بأنها تكرر ما قالته ..ظننت بان هذه السيدة الشامية ..تقصدني بكلماتها إن لم تقصد الوطن..تاعبت اغنيتها ..وأنا انسجمت بتفاصيل الجبال والسهول واعمدة الضوء...انبهرت بطول الطريق...بزحمة الضوء التي تختفي بلطف خلف سلسة الجبال..كأنها تربت على قمم الجبال...وتهيؤها لرحيلها...أصيلة بغيابها تلك الجميلة...غابت الشمس..وأصبحت أعمدة الكهرباء أكثر شراسة على طول الطريق...متغيرات كثيرة...وأحداث تروح وتأتي بخاطري...ذكرياتي كلها تتدافع بصورها ...بفرحها بحزنها...صور لشخاص وأشباح وأصوات أعرفها..كلمات أغنيات ...أصدقاء ...أشغال دراسة ..طفولة قديمة..ما كل هؤلاء الزائرين...كيف ستستوعب ذاكرتي هذا الكم منهم...كأنني كنت أدعو الهي بأن تتوقف ذاكرتي حين أصل القدس...حتى لو لعام..أريد لتلك الذاكرة أن تهدأ....فهي تتعبني...لا يهم..المهم أن أصل المدينة...تغابيت ونمت بمحاذاة قلقي وشكوكي من احتمالة عدم الوصول..فهذه المدينة هي انثى جميلة ...محاطة بأسوار عظيمة...محط انظار الشعوب كلها...تعرضت لحروب ونكبات ودماء...لم يحم شموخها إلا الله...فدعوته بأن أصل ..أنا نائم..وأحلام طائشة تأتيني لا تليق برحلة كهذه...لكن أحلامي معذورة أيضاً..."قوم يا ابني وصلنا بنا نززل هان"أجبته بابتسامة ...لطيفة..لأخبره بأنك سرقتني من حلمي...ولكني أشكرك يا جدي...لأنك أيقظتني من حلم لواقع إسمه الوطن...سنمشي قليلا...أحب المسير في طرقات كنت قد مشيت عليها ..ومحت خطواتها مني ...ثورة النسيان ..وألم الغياب...الآن سأستعيد حقي بطرقات وطني..وأرسم خطواتي مرة اخرى...الآن أصبحت وحيداً..لا يمشي بمحاذاتي أحد..سوى ظلي...وروعة ما تراه عيناي...ما كل هذا الجمال أيتها الفاتنة!!أحقاً وصلت مكان حنيني الأبدي؟؟؟كم اشتقتك يا حبيبة!!كيف سأوراي دموع اللقاء بعد صبر الانتظار...حسناً يا دموعي بللي خدودي..فهذا وقتا رائعا للفرح الحزين...من أي باب أدخل قداستك ؟؟ومن أي اتجاه أنظر اليك...آخرة مرة التقينا قبل ستة أعوام..ومضت الأيام....وها أنتي كما أتذكرك..كما أفتش عنك بصوري ومذكراتي...ها أنتي عظيمة بوفائك...ليس لي هنا أصدقاء ولا أقرباء ولا أهل...أنتي أهلي وأصدقائي وأقربائي...في هذه المدينة مهما كانت جنسيتك لن تشعر بالغربة...لصلتها بقصص السماء...كل تلك الاحاسيس تاتي وتغيب ..وغيرها ...وانا في طريقي الى ساحة الأقصى...لا أعلم كيف سيكون اللقاء هناك..ولكني وعدت نفسي بعناق طويل ..أحتاااااجه...أنتي يا قدسية الأنساب والحجارة..انتي يا مهبط الديانات يا معرج محمد عليه السلام...انتي ا طاهرة المعابد..يا من بكى فوق ساحاتك الكثير من الحزانى ...انتي يا من استلمت جثث أبنائك الشهداء...وقبتي جباههم...وابتلعت بصدرك دماؤهم..انتي يا غالية...مكان جميل للوفاء...مكان جميل لفقدان الذاكرة ...فأنتي مصدر الاندهاش ...وسبب الارتعاش...اجمل ما فيكي..هو انتماؤك للشرق بشرف وبعزة...كرامة أبنيتك القديمة تثيرني....قبب الجمال...ولمسات الشرفاء ..لم يمسحها غرور الوقت ...وثورة التكنولوجيا وعصر الرخام...حجارة مقوسة....ساحات مبلّطة...أعمدة معرّقة....مساجد تحتفظ بذكريات من بنوا حجارتها..كل شيء فيكي قديم...رغم عظمتك..لكنك لم تسمحي لأحدٍ بأن يعدّل فيكي....هواءك بارد..فما حجاتنا لمكيفات هواء...ساحاتك الحجرية نظيفة..فليس هناك سبب يدعو السياسيين الاغبياء بان يفرشوها بانواع السجاد ...ويتفاخرون بانهم هم من بذلوا اموال الفقراء من ابناء شعبهم...وكلها كانت للقدس فداء..في القدس ..كل شيء يحتفظ بشكله بملمسه...اتعلمين يا قدس...هناك في الصحراء القديمة....لك صاحبة اسمها مكة..لقد غيروها كثيرا .. ساكنيها...لدرجة جنونية...لم يبقى شيء على حاله ..حتى الحجر الأسود يبدلون غطاءه الأسود كل عام...بميزانية تكفي لإطعام كل فقراء فلسطين...لقد تغيرت تلك البلاد كثيرا..وبقي فيها أجر المصلين حسب نواياهم...هي قوانين من عند الله لا تتغير...آه يا قدس ...لو بقي شيء من المعجزات وزار حبيبي وحبيبك محمد بلاده ورأى ما ما اصبح عليه بنو هاشم....لاستاء كثيرا ...مممن يدعون أنهم أبناء عمومته..نعود يا غالية...الى وطننا ,,,,ةنترك مكة لخالقها ...فهو أقدر منا على الحكم في شانهم ...سيصفح عنهم او يعذبهم...حسناً يا قدس ..سأصلي ركعتين كبيرتين تحت قبابك.... كأن ليس هناك أحد في المسجد غيري....سأصلي يا قدس وأدعو الهي ..فأنا لا أخفي عنك شوقي..ولكن هذا الدعاء جزءا لا يقل أهمية عن حنيني الكبير لك....
الحمد لله....لقد أنهيت رحلتي بقلبي الهاديء ..بصمت تذكرته بعد وصولي.....
سأسجل في مدونتي عن رحلة غريبة...جميلة مستحيلة..لا يقدر عليها الكثيرين
لقد كنت محظوظا....لأن عيناي سرقت من قبة الصخرة زرقتها....ورجعت أكثر وسامة ...كمن يخفي سرا...ساحتفظ بصمتي ...وبمشاهدا أهداني ياها ربي...
في القدس ...تستطيع أن تخاطب الخيال...وسيأتيك بالخبر إالهاما صادقا يمحو الخيال
في القدس تستطيع ان تفقد الذاكرة ....دون دعاء دون طلب دون سؤال