لا تقاطع فلنت مقاطع
لقد أثبتت الأيام أننا نحن طبقة الفقراء أكثر الناس التزاما بالعهود الشعبية والمقاطعات واحتراما لتوصيات الأطباء، والأفكار الأيديولوجية .
نحن الذين لا نخشى جنون البقر إن كان لحم بلدي أو لحم مستورد ، فنحن نعرف أن اللحوم لا تعرف طريقها "لبطوننا" وهي عاقلة فكيف وهي مجنونة .وكذلك لم ترعبني أنفلونزا الطيور فمنذ أن أنتجوا المكعبات البديلة" ماجي وأخواته " صرنا نطبخ منها فهي أقل استهلاكاً للغاز ولا تباع بالكيلو بل بالمكعب الذي يقل عن خمسة عشر اغوره ، هذا عدى التزامنا بالابتعاد عن الكولسترول ومشتقاته وذلك ليس من ثقافتنا بل لأن الكلسترول لا يوجد بأطعمة الفقراء وإن لم تصدق قارن بين نسبة الكولسترول في قرص الفلافل وحبة الكبة .
عندما طلبوا منا للمرة الثانية مقاطعة البضاعة الدنمركية، عدت للمنزل ذهبت مساءً الى الثلاجة فشاهدت اللافتات في كل مكان حتى على باب بيتي لاصق يقول "قاطعوا البضاعة الدنمركية" فتحث الثلاجة بسرعة ،تفحصت علبة الحمص ،وعلبة الفول ،وبيضة تجلس لوحدها على الرف مكتوب عليها(خالية من أنفلونزا الطيور)،وتفحصت حبتي البندورة الباقيات قبل ارتفاع سعرها .
بصراحة صدمت ! لم أجد أي شيء في الثلاجة قادم من الدنمرك،بل كلها من الحسبة ولا يمكن أن أقاطع الحسبة . فأخرجت الورقة لأبحث عن أي مادة علي مقاطعتها من تلك المنتجات لأكتشف أني لم أتناول شيء منها في حياتي ولكني رأيت بعضها عندما دخلت الى أحد الأسواق الفخمة لأشتري من عروض التصفية
ذهبت الى الخزانة فكان الزيت بلدي و الزعتر من صنع أمي،واللبنة المعدة بشكل كرات من حليب مزاررع الفلاحين!!.شعرت وقتها بخيبة أمل فيجب علي أن أقاطع فتشت في كل أرجاء المطبخ الفارغ من لحم أو خضار مخزن ، فلقطت عيني قطعة حلاوة من بعيد قلت لعلها قادمة من عالم "الدنمارك " ولكنها من صنع معمل محلي يقع على أطراف المدينه.
في اليوم التالي حصلت على ورقة من رجل يوزع بعض الأوراق عليها منتجات دنمركية وعلى الوجه الأخر البضاعة الأوربية البديلة الموجودة في سوقه ضحكت فهذه عادتنا نصوغ كل مصائب الأمة لمصالحنا الشخصية .
لم يكن الفلافل، ولا البصل الأخضر ، ولا السردين ولا "الخبز الطابون" ولا المكدوس أو التطلي مُدرج ضمن تلك القائمة . ولكني شعرت بفرحة غامرة لأني مقاطع بالفطرة وكأني تنبأت بالحدث منذ أول يوم فقر .فعندما تتالت الدول في نشر الرسوم استمررت بالمقاطعة ،قاطعت كل العطور الفرنسية، والأزياء الباريسية التي لم أستعملها يوما ،بل كنت أراها في مجلات الأزياء. وقررت ألا اذهب لسياحة في أي دولة أوربية ولن أتنزه على شواطئها وكنت أيضا أشكر الفقر الذي لم يسمح لي بالذهاب لأي مكان خارج وطني لأكون مقاطعاً للسياحة الغربية .
بعد فترة وبعد أن تعلمت ثقافة المقاطعة اكتشفت أني لست فقط أملك عنادا أكثر من المهاتما غاندي . وبـأني أيضا غير خائف من أنفلونزا الطيور ، وذلك لأني أخر مرة أدخلت دجاجة الى الطنجرة قبل أشهر لأن الدجاج يحتاج لساعة على نار الغاز . وكذلك غير خائف من عودة جنون البقر ، لأني أصبحت فولي وحمصي أي نباتي بالخاوة ،ومستعد لأي تصرف من أمريكا حتى أقاطع منتجاتها، فلقد علمني الفقر أن أكون مقاطعاً بالفطرة بالحاسة السادسة المسماة الطفر .
فلماذا نكره الفقر فهو يعلمنا الدفاع عمن يهينون ديننا ورسولنا و يعلمنا الانتماء إلى الوطن والحفاظ على الصحة وعدم تبذير النقود في المولات.
طبعاًَ ليس بإرادتك أنما "غصب عنك" .