رسالة.. الى ملك الاحتضار
شعر: محمود درويش
للحقيقة وجان، والثلج أسود فوق مدينتنا لم نعد قادرين على اليأس أكثر مما يئسنا، والنهاية تمشى الى السور واثقة من خطاها فوق هذا البلاط المبلل بالدمع، واثقة من
خطاها من سينزل أعلامنا: نحن أم هم؟ ومن سوف يتلو علينا (معاهدة الصلح) يا ملك الاحتضار؟ كل شىء معد سلفا، من سينزع أسماءنا عن هويتنا: أنتم أم... هم؟ ومن سوف يزرع فينا خطبة التيه: لم تستطع أن تفك الحصار فلنسلم مفاتيح فردوسنا لوزير السلام،
وننجو.. للحقيقة وجان، كان الشعار المقدس سيفا لنا وعلينا ، فماذا فعلت بقلعتنا قبل هذا النهار لم تقاتل لأنك تخشى الشهادة ، لكن.. عرشك نعشك فاحمل النعش كى تحفظ العرش يا ملك الانتظار ان هذا السلام سيتركنا حفنة من غبار.. من سيدفن أيامنا بعدنا: أنت .. أم هم؟ ومن سوف يرفع راياتهم فوق أسوارنا: أنت.. أم فارس يائس ؟ من يعلق لأجراسهم فوق رحلتنا أنت.. أم حارس بائس؟ كل شىء معد لنا فلماذا تطيل التفاوض، يا
ملك الاحتضار ؟ وأنا واحد من ملوك النهاية.. أقفز عن فرسى فى الشتاء الأخير، أنا زفرة العربى الأخيرة لا أطفل على الآس فوق سطوح البيوت، ولا أتطلع حولى لئلا يرانى هنا أحد كان يعرفنى كان يعرف انى صقلت رخام الكلام لتعبر امرأتى بقع الضوء، حافية، لا أطل على الظل كى لا أرى أحدا يحمل اسمى ويركض خلفى: خذ اسمك عنى واعطنى فضة الحور لا أتلفت خلفى لئلا أتذكرانى مررت على الأرض لا أرض فى هذه الأرض منذ تكسر حولى الزمان شظايا شظايا لم أكن عاشقا كى أصدق ان المياه مرايا مثلما قلت للأصدقاء القدامى، ولا حب يشفع لى مذ قبلت (معاهدة الصلح) لم يبق لى حاضر كى أمر غدا قرب
أمسى سترفع قشتالة تاجها فوق مئذنة الله أسمع خشخشة للمفاتيح فى باب تاريخنا الذهبى وداعا لتاريخنا هل أنا من سغلق باب السماء الأخير؟ أنا زفرة العربى الأخيرة !! حمدون عقلك لم يزل مخدوعا وزمام حكمك لم يزل مقطوعا مازلت يا حمدون غرا تابعا وتظن نفسك قائدا متبوعا حمدون أنت الرمز سمك لم يزل يجرى بأفئدة الطغاة نقيعا خضب يمينك بالدماء وقل لنا إنى أنفذ أمرى المشروعا اسرق غذاء الجائعين وقل لنا إنى أحارب
فى البلاد الجوعا قطع رؤوس المصلحين فإنهم يبغون منك إلى الاله رجوعا واملأ سجونك ثم قل انى هنا لأحارب الارهاب والتقطيعا طارد بجندك كل صاحب مبدأ يأبى لقانون الضلال خضوعا واركض وراء شبابنا لأنهم رفعوا الجباه وحاربوا التطبيعا هم يصعدون الى السماء وأنت فى أوحال وهمك ما تزال وضعيا هم يلجأون الى الاله وأنت لا يرضيك إلا أن تسوق
قطيعا هم ينظرون بأعين مجلوة فيرون فعلك فى العباد شنيعا عرفوا حقيقة سحر من جمعتهم ورأوا عصا موسى تخيف جموعا ورأوا جباه الساحرين تعفرت سجدوا لرب العالمين خشوعا ورأوك تستبقى النساء رهائنا وتدير قتلا فى الرجال فظيعا ورأوك فى غى التطاول سادرا فتبرأوا مما جنيت جميعا نظروا إليك فأنكروك لنهم عرفوك فى طرق الخداع ضليعا لك كل يوم قولة تلغى بها ما قلت أمس، وتحسن الترقيعا ما انت يا حمدون إلا حرة تأبى الى
غير العفاف نزوعا لكنها سلبت عباءة طهرها وخلعت أنت حجابها لتضيعا وأكلت أصناف الطعام ونحن فى ضنك شديد لا تنل رضيعا عجباً، متى تبنى لنفسك منزلا فى الحق، تملأ مقلتيك دموعا أتظن هامان الذى استنجدته مازال يوقد للولاء شموعا أتظنه مازال يبنى صرحه حتى تطيق الى السماء طلوعا أنسيت قارون الذى زرع الهوى فى قلبه حتى استطال فروعا خسفت به الأرض التى أبدى لها خيلاء وغدا بها مخدوعا ضاعت مفاتيح
الخزائن واختفى قارون، لم ير فى العباد شفيعا سل عنه أرضك حين لم تترك له أثراً ولا للصوت منه سميعا أنسيت يا حمدون انك غارق فى اليم، تعصر قلبك المفجوعا أـنسيت رهو البحر حين ولجته فرأيت نفسك فى الخضم صريعا شرق وغرب كيف شئت فإننا لانجهل التطبيل والتلميعا أبشر فإن الفجر سوف يريق من كأس الظلام شرابك المنقوعا ولسوف تفتح صفحة عزها ولسوف يغدو رأسها مرفوعا حمدون لا يخدعك وهمك اننى ابصرت طفلا فى حماك رضيعا