]في فضائي أتنزه ولو أن كلمة فضاء تعطي وقعا لدى القارئ بالمساحة الكبيرة ولكنها وإن لم تكن كذالك فهي بواقع الحال مكان يحق لي أن أبيت فيه وأنتمي إليه ،قد يكون معترف بي من قبل الآخر ضمن هذه المساحة وقد لا أكون، لكني هنا على الأقل، وهنا يكمن بيت القصيد هل أنا أسير في هذا الفضاء؟ أم أنه فضاء العالم الذي من خلاله لست بحاجة أن أرى فضاء آخر غيره ؟! هل أنا هنا لأقبل ما حولي دون تساؤلات؟؟ أم هل ولدت لأجيب وأرفض واقع الحال؟؟
من هنا ارتأيت أن أجد تعريفا لنفسي أولا، وأعطي لنفسي اسما أعرف به للعالم بهويتي وذاتي!
اسمي خالد واسم عائلتي فقط فلا تسلني عن اسمي وفصلي إنما أصل الفتى ما قد حصل!
نعم من هكذا تعريف اعرف نفسي بانتمائي لذاتي وهذا هو الأهم، الذي من خلاله سأروي لكم قصة حدثت ذات يوم وزرعت في نفسي أملا ووجدت فيه شخصية كنت أفتقدها وأبحث عنها وأسميتها الأمل.
في عطلة كل نهاية أسبوع أخرج مع رفيق دربي محمد نتناقش ونتسامر ونطرح أسئلة قد لا نجد لها أجوبة في بعض الأحيان والجميل في الموضوع أننا لا نترك شوارع بيت لحم تعتب علينا دون أن نتسكع فيها جميعها، غير آبهين بالتعب طالما لحديثنا متعة تنسينا مشقة المشي.
والطريف في الموضوع أن نهاية كل طريق نقصده هو جدار!!، نصل إلى هناك ثم نستدير عائدين أدراجنا إلى مكان آخر حتى نصل إلى نهاية طريق آخر ويكون في انتظارنا جدار كالعادة!، وكأن من بناه يقول لي هذه حدودك يا فتى فالزمها كي لا تقع في المتاعب.
عندها استوقفتني مشاعر مليئة بالغضب وبالرفض فجأة!!
لماذا هنا علي أن أستدير وأعود أدراجي؟ ومن أنت يا من بنى الجدار لتقيد حريتي التي وهبني إياها من هو أعلى منك سلطة؟؟.
طلبت من صديقي الإقتراب أكثر من الجدار لنشاهده عن قرب وبالمناسبة كنا في مخيم عايدة للاجئين، كان الجو بارد لدرجة التجمد والسماء مليئة بالغيوم، يا لها من لحظات مهولة تلك التي شعرت بها حين نظرت إلى هذا البناء اللئيم ذو اللون الرمادي القاتم الذي لا يمت بصلة لألوان الطيف الجميلة إنما هو لون الإحباط أو الموت البطيء!
في هذه الأثناء استوقفنا صديقان قديمان من أيام المدرسة الثانوية وانضما إلينا، وبدأنا نسترجع أيام المراهقة وشقاوتها بكل ما تحمله من أيام وذكريات جميلة حينا وحزينة حينا آخر.
عندها طرحت على أحدهما سؤالا كان يجول بخاطري في تلك الأثناء، كيف تتعايش مع جدار كهذا يكاد يلتصق بغرفة نومك؟؟
وعند إجابته تنهد تنهيدة تنم عن حسرة وألم يعتصر صدره وقال لي :هنا تبدأ حدودي وهنا تنتهي، وهنا حكم علي غيابا أن يكون جاري جدار!!!، لم أختره ولكنه اختارني جارا عزيزا غير مبال إن كنت أبادله تلك المشاعر "الأخوية"!!، ولأكون صريحا على الأقل مع نفسي، من منا يرضى هذه الأيام عن ذلك الجار الذي لطالما يؤذيك بتصرفاته اللئيمة؟؟؟
فسألني أترضاها؟ قلت: لا
فقال فماذا أنت فاعل بجار سرق أرضك وحرمك من بياراتها ومنعك من رؤية أشعة الشمس الجميلة؟؟
فقلت: هل ترى لكل هذا نهاية قريبة كانت أم بعيدة؟؟
فقال وقد ورسم على شفتيه ابتسامة جميلة :سأروي لك قصة محمد الجدار التي تقول بأنه ذات يوم تمكن من شق ثغرة في الجدار وتمكن بها من الدخول والعبور إلى الأرض المحتلة وهناك صعد إلى أعلى البرج وعلق علم فلسطين وسط دهشة أقرانه ممن كانوا معه،سمعت بعدها أجراس الإنذار والغريب أن محمد بقي مكانه منتظرا الدورية العسكرية لتأخذه ولسان حاله يقول: تعالوا لست بمكترث لكم تعالوا خذوني فمن أنتم لتحاكموني؟
عندها شعرت بشعور جميل زرع في نفسي الأمل بأن خطوة كهذه من فتى فعلت كل هذا وأطلقت صافرات الإنذار وأفزعت جيشا كان على الحدود معلنا إنتفاضته الصغيرة ضد المحتل، فماذا سيحدث لو تحركنا كلنا وقمنا بانتفاضة الجدار الشعبية؟؟
ألا تستحق كل هذا العناء؟؟
بكل الأحوال أصبحت متيقنا أكثر من أي وقت مضى بأن هذا الجار لن يدوم وهو حتما راحل بثورة يصنعها الرجال أطلقت عليها اسم ثورة الجدار!!
علمت فيما بعد أن محمد أطلق سراحه بعد عدة أيام وأنه حصل على كنية الجدار التي اشتهر بها لاحقا بعد ما قام به من عمل يبعث فينا الأمل