ما أعظم شعب مصر الأصيل، به اعتزت الأمة عبر تاريخها، وبه تحققت فتوحات وطُرد غزاة.
إن هذه العظمة لشعب الكنانة لكافية لأن يعمل الاستعمار على تنصيب حكام موالين، ليقيدوا هذا الشعب ويحرموا الأمة العربية والإسلامية من طاقة جبارة لشعب النصر والفتوحات، شعب مصر العظيم الذي نحبه حتى النخاع.
إن عملية جرد سريعة لمواقف النظام المصري المسيئة لقضية الأمة المركزية؛ قضية فلسطين، لتشير بوضوح إلى الأجندة الاستعمارية لهذا النظام، ومن ذلك:
منع المتطوعين المصريين من المشاركة في الدفاع عن فلسطين عام 1948م، وجمع سلاح المقاومين الفلسطينيين بذريعة أن الجيش المصري جاء ليحارب عنهم، وهو الأمر الذي كان سببا رئيساً في فشل الجيوش العربية في تلك الحرب، إذ إن "أهل مكة أدرى بشعابها".
أجهض تجربة حكومة عموم فلسطين، وفرض إقامة جبرية على قائدها الحاج أمين الحسيني.
وقّع اتفاقية الهدنة الدائمة واتفاق لوزان عام 1949م قبل أن يعود اللاجئون الفلسطينيون إلى ديارهم، ويستعيدوا أرضهم.
إعارة مساحات كبيرة من قطاع غزة للكيان الصهيوني في اتفاقية الإعارة لعام 1950م.
منع العمل الفدائي من قطاع غزة في الفترة 1949-1955م، متناسياً أن المقاومة حق لشعب شُرِّد من أرضه.
عرض على بريطانيا إخلاء قواعدها في قناة السويس والانتقال إلى قطاع غزة، وذلك خلال مفاوضات الجلاء عام 1951م.
نسّق مع وكالة الغوث الدولية لنقل حوالي خمسين ألف أسرة فلسطينية لاجئة من قطاع غزة وتوطينهم في شمال غرب سيناء بعيداً عن وطنهم بدلاً من العمل على إعادتهم إلى ديارهم. وجاء ذلك استجابة لمطالب إسرائيلية توسّط بها الوسيط الدولي رالف بانش الأمريكي.
وافق على الإبقاء على أراضي مثلث العوجا جنوب قطاع غزة منزوعة السلاح في اتفاقيات الهدنة الدائمة، وعندما احتلتها إسرائيل منه في عام 1955م لم يحرك ساكناً، ولا يزال لا يطالب باستعادة هذه الأراضي التي لم تحتلها إسرائيل في حرب 48م.
سحب قواته من قطاع غزة خلال العدوان الثلاثي، وتركه في ضعف مطبق حيث منع أبناءه من التدريب والتسليح، ومن ممارسة حقهم في المقاومة والعمل الفدائي، ولم يبن لهم الملاجئ ومراكز التدريب أو مقومات الصمود.
تعهد بمنع العمل الفدائي من قطاع غزة بعد انتهاء العدوان الثلاثي وانسحاب إسرائيل. ولذلك لاحق المقاومين عند استئناف العمل الفدائي في عام 1965 وحتى عام 1967م.
احتلت إسرائيل قطاع غزة الذي كان عُهدة بيد النظام المصري، لم يحافظ عليها ولم يسلمها لأهلها.
اعترف بقرار مجلس الأمن الدولي 242 الذي يعترف بحدود واستقلال وسيادة إسرائيل على الأراضي المحتلة عام 1948م، ويجعل التفاوض هو سبيل استرداد الأرض التي احتُلت في حرب 1967م. وعندما سُئل ممثل الحكومة المصرية عقب قبول مصر لقرار 242 بأن القرار يعني الاعتراف بإسرائيل !! فأجاب: "إن الدول العربية ومصر لم توقع اتفاقيات الهدنة الدائمة وبروتوكول لوزان عام 1949م مع خيالات وإنما وقعتها مع إسرائيل"، في إشارة إلى أن النظام المصري كان معترفاً بإسرائيل ولم يطرأ جديد على ذلك.
عمل على دمج منظمة التحرير الفلسطينية في مشاريع السلام الموهوم، فطلب منها المشاركة الرمزية في حرب أكتوبر عام 1973 ليتسنى لها المشاركة في الترتيبات السلمية التي ستليها. ومع ذلك لم يقف إلى جانبها عندما لم توجَّه دعوة إلى منظمة التحرير لحضور المؤتمر الدولي للسلام المنعقد في جنيف أواخر عام 1973م.
وقّع اتفاقية سلام مع إسرائيل أقر بها حقها السيادي على أرض فلسطين المغتصبة ودون أن يوفر أي ضمانات لحماية الحق العربي في فلسطين، أو يستعيد الأرض الفلسطينية التي أضاعها عام 1967م (قطاع غزة).
وجّه "نصيحة" لقادة منظمة التحرير في فبراير 1981م "إذا فكرتكم في التسوية في يوم من الأيام فنصيحتي لكم أن تتجهوا إلى )المؤسسة (The Establishmentـ إلى اليهود في أمريكا" ويمثلهم ستيفن كوهين مقرر لجنة اليهود الأمريكيين، وقال: "تدخلون معهم من غير فلسفة وتتعاملون بعقل معهم".
أمر بنقل ستيفن كوهين من القاهرة إلى بيروت بطائرة استخبارات عسكرية لمقابلة قادة منظمة التحرير في إبريل 1982م، ليحذرهم من حرب تجتثهم وليعرض عليهم توقيع اتفاق فك اشتباك مع إسرائيل مماثل لاتفاقية فك الاشتباك على الجبهة المصرية في يناير 1974م. وجاءت هذه الخطوة من النظام لدفع المنظمة للقبول بتصوره بضرورة تسليم أسلحة المنظمة في لبنان، والانخراط في العملية السلمية التي تورط فيها من قبل.
اعتبر نفسه وسيطاً في العملية السلمية، ولم يتبنّ الموقف الفلسطيني،ولم يدعمه، بل كان جزء من المساعدات الأمريكية له لقاء تلك الوساطات التي تهدف لإقناع الطرف الفلسطيني بالاستمرار في العملية السلمية وتقديم المزيد من التنازلات على حساب حقوقه الشرعية.
أساء للمسافرين الفلسطينيين عبر أراضيه، وعبر معبر رفح تحديداً، فأذلهم، وحقق معهم، وتحكّم في تحركاتهم ومصالحهم، وسعى لربطهم بمخابراته ليزودوه بمعلومات عن أبناء شعبهم لا عن العدو الصهيوني.
رعى العديد من الاتفاقيات المهينة بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل في القاهرة وطابا وشرم الشيخ، واستضاف مؤتمر مكافحة الإرهاب في شرم الشيخ، ليقرروا محاربة المقاومة الفلسطينية وتجفيف منابعها، بدلاً من أن يدعم هذه المقاومة ليكفِّر عن ذنبه في ضياع قطاع غزة من يده.
تنكّر لنتائج الانتخابات التشريعية الفلسطينية الأخيرة في عام 2006م، وامتنع عن التعاون مع حكومتها، واستحقرها، وانخرط في مؤامرة دولية لإسقاطها، وانتهى به الأمر إلى فرْض حصار محكم على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة.
حاول منع حجاج قطاع غزة في أواخر عام 2007م من السفر عبر معبر رفح لولا ضغوطهم وضيق الوقت، فقرر السماح لهم ومن ثم الانتقام منهم وتأديبهم في طريق العودة، فطلب منهم التوقيع على تعهد بالعودة عبر معبر إسرائيلي، وحاول جاهداً منعهم من العودة عبر معبر رفح لولا توفيق الله وصبرهم وتكاتفهم، وتعاطف الأمة والشعب المصري العظيم معهم.
أغلق معبر رفح أمام الشعب الفلسطيني بغزة من أجل إخضاعه لشروط الرباعية الدولية المناقضة لحقوق الفلسطينيين الوطنية، ثم قام بفتحه أيام معدودة من كل شهر كي يتمكن من القول بأنه لن يحاصر غزة ولن يقتل أهلها جوعا.
تواطأ مع إسرائيل في عدوانها على غزة أواخر عام 2008م ونسّق معها، فسحب قواته عن الحدود لمئات الأمتار، وفتح المعبر ليتمكن أهل القطاع من الفرار من وجه الحرب، واستقبل قوات من فتح في العريش لتدخل غزة في الوقت المناسب، وكافح ضد عقد مؤتمر قمة عربي لبحث الحرب على غزة.
ادعى رعايته للمصالحة الوطنية الفلسطينية، وبعد الاتفاق على ورقة مصالحة قام بتغيير فقرات معينة منها أفرغتها من مضمونها وشرع يطالب حماس بالتوقيع عليها كما هي، في انحياز سافر لطرف(فتح) دون آخر(حماس).
تساوق مع الاتفاقية الأمنية التي وقعتها إسرائيل مع أمريكا في 17/1/2009م، فانخرط في مؤامرة منذ مارس لبناء جدار فولاذي على حدود قطاع غزة بتمويل أمريكي، وخبرات فنية فرنسية، وإشراف إسرائيلي، وبأيدي مصرية، لحرمان قطاع غزة من الأنفاق التي يتزود عبرها بضروراته بعد أن أغلق النظام المصري المعبر الرسمي في وجهه، ولإخضاع الشعب الفلسطيني في غزة لشروط الرباعية القائمة على أساس حفظ إسرائيل وأمنها.
لقد صادر النظام المصري إرادة وقرار مصر ورهنهما للولايات المتحدة الأمريكية مقابل معوناتها السنوية، وسار في ذيلها وذيل إسرائيل، متجاوزاً واجباته الوطنية والقومية والإسلامية. لقد فرّط النظام المصري في قطاع غزة، فاحتلته إسرائيل من يده، وعليه التزامات أخلاقية وقانونية وسياسية واقتصادية تجاه قطاع غزة لا يمكنه تجاوزها والتنكر لها، ويجب أن تبقى هذه الالتزامات حاضرة في ذهنه وفي العقل الجمعي للأمة العربية والشعب المصري الأصيل والشعب الفلسطيني. وإن أبسط واجب عليه القيام به اليوم أن يوقع اتفاقاً ثنائياً مع السلطة الفلسطينية في غزة لإدارة معبر رفح، بما يسمح بمرور البضائع والأفراد، وتزويد القطاع بالوقود والكهرباء والإسمنت والمواد الغذائية والدوائية وخلافه من خلال اتفاقية اقتصادية تحمي القطاع من الارتهان للابتزاز الصهيوني، وتفتحه على العالم الخارجي. وليس من مصلحة النظام المصري أن يستمر في تنكره لحقوق الشعب الفلسطيني وحاجاته الإنسانية، لأنه بذلك يلعب بمصالح مصر وزعامتها القومية، وبأمنها القومي، والمستقبل سيؤكد ذلك.
إن بمقدور النظام المصري فِعْل الكثير لنُصْرة الشعب الفلسطيني، وكما قال وزير الخارجية المصري: "إن لدى مصر مخالب قادرة في كل الاتجاهات والمجالات.." فأين فِعْلها لصالح الشعب الفلسطيني؟