وفي رياح الغربة
هاهي رياح الغربة ترسلك بعيدا حيث تنظر بعينيك فلا تجد الوطن ، فأنت الآن بعيد عن مدينتك وحيك وبيتك واخوانك وأحبابك ، وهاهي اللحظة التي تدير فيها ظهرك للوطن مودعا قد جاءت ، تخطو الخطوة وأختها على أرض لم يكن لك فيها ذكرى ولا تجارب ، دمعة أو فرحة ، أو حتى اشارة مرور في مدينتك تستوقفك مرارا وتكرارا، فاذا ما قلبت ناظريك يمنة ويسرة رأيت ثم رأيت جنة من جنان الله على الأرض الا أنها تخلو من لايمان ، كدميتك التي كانت تجلبها لك أمك حين كنت طفلا في يوم العيد ، الا أنها بلا روح ...
كل شيء هنا يضج بالغربة : السماء والأرض ، الصغير والكبير ، الفقير والغني ، الحي والميت .
مما علمتني اياه الحياةفي نسائم الغربة : أن الانسان حين يكون غريبا فريدا وحيدا يشعر شعور لا يخالطه أدنى شك أن الدنيا على سعتها باتت صغيرة جدا لكأنه يستطيع أن يضمها في كفة يده ، لا سعة المساحة والمسافة ، وانما سعة الشعور حين يشعر به من يحب على آلاف المسافات بعدا ، وأنه أيضا يبادله نفس الشعور ، فخطاب الروح من أقوى العرى وأوثقها ، وهذا من فيض رحمة الله على ابن آدم ، خاصة اذا كان له في الوطن حب وأشواق .. فما أجمل أن يكون هناك من ينتظر عودتك ..
ومما علمتني اياه الحياة : أن الزهرة في الغربة بستان تأمل وتفكر وتدبر في بديع صنع الباري ، فبها من الرقة ما يسع الجبال والسهول ، فيا عجبا لانسان لا يحمل في جنبيه ما تحمله الزهرة !!!
يا زهرة لم تزل ترضي بنضرتها
قلبي ولي عندها حب وتقدير
ومما علمتني اياه الحياة : أن قلب المؤمن كالمحيط ، يسع الناس كلهم من أحبه بصدق منهم أو من لم يحبه ، وأن عليه أن يصبر على ثقل حمولة بعضهم محتسبا الأجر عند العلي العظيم ...
ومما علمتني اياه الحياة : أن لا أعظم من ساعات السحر التي يشعر فيها الانسان أن الغربة عنده قد أصبحت وطنا في هذه اللحظات يصنع الانسان نفسه من جديد ، فيها تستغفر ربك ، وتجبر كسرك وتعود الى عهدك وصدقك ..
وأيضا مما علمتني اياه الحياة : أن العودة الى الوطن أشبه بعودة الروح الى الجسد، والشفاءالى الجسم المعلول ، والراحة عقب الجهد ، والسعادة بعد زوال العناء وذهاب الحزن ..
وختاما : أخي اختي :
سافر اليوم أو غدا تنقل بين أرجاء الدنيا ، ولكن مهما كنت بعيدا فانك من الله قريب ....
عبرة :
رب عونا فلي فؤاد رقيق
يتناسى الآلام بالايمان
فاجمع الشمل ياالهي و
هب لي مخرجا طيبا من الأحزان
مع تحيات : مسافرة الى الله