ا
لحمد لله والصلاة والسلام على رسول الأنام..
[
هذه مقتطفات أوردها اليوم وفاء لهنادي الغالية وإحياء لقصص الصحابة والتابعين وأملا في دعوة يلهج بها لسان صالح بأن يسكنها الله فردوسه الأعلى ويحفظ ذريتها ويجعل من نسلها المجاهدين الصادقين.
وعلني هنا أبدأ تسليط الضوء على رؤى هنادي وماذا كنت أسمعها تتحدث في كثير من لياليها وأثناء ساعات الغياب المؤقت من أثر الأدوية الثقيلة .
وأبدأ في رؤيا طالما تكرّر لهنادي التحدث بها وهي أنها رأت نفسها تأكل ثمارا لذيذة جدا ولها أشكال جميلة ليست كثمار الأرض ، ومن عجب تلك الرؤيا التي تكررت أربع مرات فيما أذكر أنّ هنادي كانت تستيقظ فرحة منتعشة كأنّها للتو انتهت من التمتع بتلك الثمار الزاكية الفريدة .
وتحت تأثير المُسكنات الثقيلة كانت غاليتي تتحدث معي ببعض ما ترى وتسمع وكنت أحيانا كثيرة أسألها وتجيبني ،ومن عجيب تلك اللحظات أنني حاولت أكثر من مرة تسجيل ما تقول لكنها تتوقف عن الحديث وتستانف عند توقفي .
ومنها أنها حدثتني مرة أنّها في نفق طويل فيه كثير من الفتحات المضيئة يمنة ويسرة وأنّها اقتربت من آخره الذي ينتهي في منطقة خضراء ممتلئة بالشجور والطيور والأزهار .
وفي ذات اليوم أخبرتني أنها تنام على سريرها فوق قباب كثيرة لا ترى آخرها ، وعندها سألتها حتى تعيد لي ماذا ترى فأخبرتني بسرور أنّها على سريرها فوق تلك القباب الجميلة.
وفي ساعة أردت أن أخفف عنها ولم تكن هنادي بالصاحية المدركة ، فطلبت منها قبلة وأصررت ، ففاجاتني وهي الغائبة النائمة بقولها ،إصبر وما صبرك إلا بالله ، وكررتُ ذلك فكَررت جوابها ،وعندما زال أثر الادوية الثقيلة أخبرتها فضحكت كثيرا وبقينا نذكرهذه القصة بيننا كثيرا .
وعن ذوقها الرفيع حتى أثناء غيبوبتها العصيبة ،أنني وفي دقائق خفّت فيها درجة الغياب أصرّت علي أن آساعدها في الوضوء ، وحملتها وكانت حافية القدمين وفي الطريق كان حذاء لجارتها المريضة فحاولت أن ألبسها أياه بدون أن اخبر الجارة فأصرّت أن أطلب الإذن منها باستعارته فطلبنا لها الإذن، وأثناء خروجنا لم تكن صاحية مدركة لكنها كانت تقول لي رامي أشكر جارتنا المريضة .. رامي قل لها شكرا.
وعن رحلة العمرة التي تمكّنا والحمد لله من تأديتها بعد جرعة الكيمياوي الرابعة، كانت غاليتي هنادي مصرة جدا على أن تؤدي كلّ الصلوات في الحرم وكنت مُصرا عليها بأنني سآخذها لآداء صلوات الفجر والمغرب والعشاء وأمّا صلوات الظهر والعصر لشدة الحر فستؤديها في شقتنا المطلة على الكعبة المشرفة ، ولكنّها ومع ذلك أرغمتني أن آخذها للصلاة في كثير من صلوات العصر وصلاة الجمعة التي مرّت علينا في مكة المكرمة .
وكنت آخذها في كلّ تلك الليالي إلى الحرم الشريف فتطوف وتصلي وتقوم الليل، وقبيل كلّ فجر كنّا نجلس سويا ندع الله جهرة، وكانت غاليتي تحاول أن تتذكر كلّ أهلها وأهلي وأخواتها وأخواننا في الدعوة وأزواجهم وأولادهم ودعت بالإسم للعشرات بل المئات ولم تنس طالباتها ومن ربتهم وزميلاتها ومن رافقتهم،وأثناء دعائنا كانت تذكّرنا دائما بالبعض فتقول يا رامي نسينا فلان الأسير عند الإحتلال أدع له بالفرج وعلى الإحتلال بالزوال .. يا رامي نسينا أخانا المشبوح أدع له بالثبات .. يا رامي نسينا فلانة ادع لها أن يرزقها الله ذرية صالحة .. يا رامي نسينا فلانة أدع الله لها بالتوفيق في ثانويتها .. وهكذا كثيرا.
ومن أكثر اللحظات صعوبة على غاليتي أنّها وعندما كنت أقود عربتها في الشوط الأخير من السعي طلبت مني أن أسير بأبطأ ما يمكن وكأنّها لا تريد أن ينتهي ذلك الشوط وأن تبقى في عمرتها التي طالما حلمت بتأديتها وهي في أتمّ الصحة والعافية .
وأبدا ما حييت لن أنسى ساعة وداعها الحرم المكي الشريف وكيف أنّها بكت واغرورقت عيناها بالدموع ، قائلة لي ولأمّها يا ريتني أبقى و لا أغادر أقضي ما تبقى لي من عمر في رحاب الكعبة المكرمة أعبد الله طويلا .
ومن جميل ما أخبرني شقيقها الصغير الذي كانت قد اتفقت معه أن يقرا عليها كل يوم جزء من القرآن، انها كثيرا ما كانت وحتى أثناء غيابها تعلق على بعض الآيات فتدع او تستغفر أو تسأل الله الجنة أو تطلب منه الإعادة أو أن تكررها هي بنفسها كثيرا، وحدثني إحسان أيضا أنه وفي إطار قراءته للختمة، كانت آخر سورة قد قرأها قبل دخولها في الغيبوبة، هي سورة الزمر، وأواخر آياتها: "وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا" حتى قوله تعالى: "وترى الملائكة حافين من حول العرش يسبحون بحمد ربهم وقضي بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين" فظلت هنادي تقول: "الحمد لله رب العالمين، اللهم اجعلني منهم" حتى نامت
ونختم هذه التجليات الإيمانية بأنه وأثناء ألم شديد كان ينتابها سألها شقيقها لو فتح لك الآن باب من السماء وسمعت صوتا يقول :إصبري يا هنادي فمنذ أن مرضت وانا أصب عليك رضاي صبّا، فماذا تقولين ؟؟ .. قالت :إذن يا رب زدني ألما وتعبا ومرضا ...
آااااااااااه يا هنادي المؤمنة !!!! كنت قلبا معطرا بالإيمان ..
قرأت وسمعت قصصا كثيرة عن الصالحين لكنك العجب العجاب روحٌ قدسية في جسدٍ طاهرٍ نقيّ ..
_________________________________________
وقبل أن أختم قصتي هذه كان شقيقها الصغير إحسان قد أتمّ عليها ختمة القرآن ،واليوم هو الأحد الثاني من رمضان والساعة الآن الثالثة ليلا وهنادي الغالية في لحظات النزاع الأخير ...
وبالتزامن تماما مع انتهائي من كتابة هذه الحكاية الغالية ،وبعد غياب كامل لهنادي طيلة الأيام الثلاث الماضية فجأة مسكت هنادي بيدي ونظرت بعيونها صوبي وانطلق لسانها يردد يالله.. يالله... يالله... طيلة ربع ساعة وبدأ بعدها صوتها يخفت قليلا قليلا حتى قالت مرة واحدة وبصوت أعلى.. يالله.. ثم سكتت وفاضت روحها إلى بارئها...
رحمك الله يا غاليتي وأسكنك الفردوس الأعلى مع الشهداء والنبيين والصديقين..
تلك مقتطفات من قصتي الفريدة مع هنادي الشهيدة ..
ولا تنسوها من دعائكم
اللهم اغفر لها وارحمها، وعافها واعف عنها، وأكرم نزلها، ووسع مدخلها، واغسلها بالماء والثلج والبرد، ونقها من الخطايا كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس، وأبدلها دارا خيرا من دارها، وأهلا خيرا من أهلها، وزوجا خيرا من زوجها، وأدخلها الجنة، وأعذها من عذاب القبر وعذاب النار
زوجك المقصر م.رامي عبد اللطيف